مغارة الحليب
مغارة الحليب من المواقع المقدسة المسيحية في مدينة بيت لحم، فلسطين. يقع هذا المزار في آخر الطريق المسماة باسمه (طريق مغارة الحليب). نالت هذه المغارة المحفورة في الجير الأبيض اسمها من تقاليد قديمة. حيث يقال إن مريم العذراء لجأت إليها خلال هربها مع يوسف النجار إلى مصر لترضع ابنها.
وفقا للتقاليد المسيحية فإنّ مغارة الحليب هي المكان الذي وجدت فيه العائلة المقدسة ملاذًا لهم خلال ذبح الابرياء، قبل أن يتمكّنوا من الفرار إلى مصر.
اكتسبت المغارة هذا الاسم (مغارة الحليب) من أن قطرة من حليب مريم العذراء سقطت على الأرض وتغيّر لون الكهف إلى الأبيض، وعلى مرّ الأجيال قامت العديد من النساء اللواتي لا ينجبْن أطفالًا ومن مختلف الأديان بزيارة مغارة الحليب من أجل الابتهال للحصول على هبة النسل. وعادة ما يأخذن معهنّ قطعًا من الصخر من المغارة البيضاء والتي يعتقد بأنّ لها قوّة عجائبية.
لاحقَا، وتحديدًا في القرن الخامس ميلادي، بُنيت الكنيسة البيزنطية فوق المغارة، حيث يمكن رؤية بقايا الأرضية الفسيفسائية الملوّنة منذ ذلك الوقت في باحة الكنيسة الحالية، والتي شُيّدت حول المغارة على يد الآباء الفرنسيسكان عام 1872
على حائط المغارة الخارجي تختزل الحكاية، نقش للقديس يوسف النجار عندما جاءه الأمر برؤية أن أخرج من بيت لحم إلى أرض مصر خوفا على الطفل يسوع من سيف الملك هيرودوس.
وعلى يسار المدخل نقشت عملية الهروب إلى مصر الأمان، وبينهما مدخل المغارة حيث اختبأت مريم العذراء وطفلها عليهما السلام ويوسف النجار قبل الهروب.
تعتبر مغارة الحليب في بيت لحم، جنباً إلى جنب مع كنيسة البشارة في الناصرة ومزار الزيارة في عين كارم، من أكثر المزارات شهرة للسيدة العذراء في الأرض المقدسة. فكل حاج بعد زيارته لمغارة الميلاد والصلاة فيها، يتوجه مروراً بالساحة الرئيسية لمدينة بيت لحم عبر الطريق الذي يقع إلى الجنوب من مجمع كنيسة المهد، لزيارة هذا المكان المقدس المعروف منذ القرن الرابع، والذي يسهر على العناية به اليوم رهبان حراسة الأرض المقدسة الفرنسيسكان.
ترتبط أهمية هذه ، في العبادة المسيحية، بالقصة الواردة في انجيل القديس متى (متى 2 ، 13)، والتي تروي قصة ظهور الملاك للقديس يوسف في حلم، يحثه على الفرار إلى مصر هربًا من غضب الملك هيرودس. ووفقًا لتقليد قديم جدًا، فإن هذا المكان هو أحد الأماكن التي توقفت فيها مريم للراحة والإعتناء بحاجات طفلها وإطعامه: وبحسب التقليد أيضاً، فقد سقطت بعض القطرات من الحليب على الأرض، بينما كانت السيدة العذراء تطعم يسوع – فغيرت لون الصخرة هناك من الوردي إلى الأبيض.
ارتبطت بهذه الصخرة أعاجيب شفاء، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يجدن صعوبة في الرضاعة الطبيعية، وأولئك اللواتي لم يتمكن من الحمل. منذ القرن السادس، عُرفت بعض الذخائر المأخوذة من هذه المغارة، سواء في أوروبا أو في الشرق، كانت تؤخذ على شكل قطع صغيرة من الصخور المسحوقة والمضغوطة. لا يزال هذا التعبد قائماً حتى اليوم، كعلامة حية تذكرنا بلحظة رمزية تشير إلى أمومة العذراء مريم.
من ناحيته، علق الأب لويس إنريكي سيغوفيا، حارس دير القديسة كاترينا الفرنسيسكاني في بيت لحم، قائلاً: “يأتي الحجاج والمؤمنون إلى هنا من جميع أنحاء العالم، وخاصة من بولندا ورومانيا، وهما دولتان تربطهما علاقة خاصة بمريم العذراء. فمغارة الحليب تذكرنا باللفتة الرقيقة والحميمة لمريم وهي ترضع الطفل يسوع. أما الصلاة المرتبطة بهذا المزار، فهي تتوجه إلى مريم العذراء لطلب شفاعة “قلبها الذي تقيم فيه كأم” مشاعر الثقة الكاملة بالله وبمشيئته تعالى. إنه موقف يريح الكثير من النساء اللائي يأتين إلى هنا طلباً لنعمة القدرة على الإنجاب”. يتوفر نص هذه الصلاة بعدة لغات، مما يدل على شعبية هذا المزار.
وتابع الأب لويس إنريكي، قائلاً: “تتوقف هنا العديد من النساء غير المسيحيات أيضًا للصلاة، وهنّ لا يأتين لطلب هدية الأمومة فحسب، ولكن أيضاً لتكريم هذه المرأة التي، كما يقولون غالبًا، “تذهلنا بتواضعها، وصمتها، وبقبولها الكامل لإرادة الله.” لدى تلك النساء تعبد حقيقي وعميق لشخصية مريم العذراء”.
من بين الرهبان الذين يتناوبون على خدمة هذه المغارة الأب تاديو لويس فيرناندس القادم من البرازيل، والذي يستقبل الحجاج عند مدخل المزار، حيث تم إنشاء غرفة تحتوي على جدار مليء بالصور والرسائل التي أرسلها أزواج من بلدان مختلفة، بعد أن تحققت رغبتهم التي صلوا من أجلها: تلك الرسائل هي شهادات حية على النعمة التي نالوها والتعبد الذي مارسوه. عند الباب أيضاً صورة للأب لورانس بودي، أحد رهبان الحراسة، الذي ولأكثر من 30 عامًا، كرس نفسه للعناية بهذه المغارة، وقام بترتيب أرشيف يحتوي اليوم على الآلاف من الشهادات.
تقع مغارة الحليب اليوم إلى جانب دير وكلت الحراسة أمر العناية به إلى راهبات السجود الدائم للقربان الأقدس. ويربط المغارة بكنيسة القربان الأقدس وبالكنيسة العلوية، ممر داخلي. في الكنيسة، يتم السجود للقربان الأقدس على مدار اليوم، ويمكن لجميع الحجاج قضاء بعض الوقت هناك، للصلاة بصمت وكتابة نيّات صلاتهم.
“أعظم هدية”
ويجلس تمثال للسيدة العذراء مريم ترضع طفلها بهدوء فوق مدخل الكهف. ويقال إن العائلة المقدسة لجأت إلى هنا خلال مذبحة الأبرياء على يد الملك هيرودس الأول.
كما يقال إن مريم قد سكبت قطرات من حليبها بحيث تحول الكهف من حجر ضارب إلى الحمرة إلى أبيض طباشيري. ويسود الاعتقاد منذ فترة طويلة أن تناول مشروب يحتوي على ما يسمونه “مسحوق الحليب”، وهو مسحوق من الحجر الجيري، مع التحدث بإخلاص لمريم يمكن أن يعالج المشاكل الصحية، خاصة تلك المتعلقة بالعقم.
ولدى العديد من المسيحيين من بيت لحم قصة عن معجزات مغارة الحليب.
“معجزة طفل”
وهناك الكثير من ذلك معروض في مكتب صغير خارج الكنيسة. فقد وصلت مئات الرسائل المؤثرة من جميع أنحاء العالم على مر السنين تشهد على حدوث معجزات.
فقد أرفق زوجان من الهند صورة لفتاة صغيرة بدينة ومبتسمة، وكانا قد تناولا مسحوق الحليب المجفف بعد تعرضهما لإجهاضين، وقد كتبا ببساطة “نحن الآن سعداء”.
وتقول امرأة فرنسية وهي تتذكر زيارتها للكنيسة للصلاة من أجل الحصول على طفل: “بكيت كثيرا وكانت دموعي هي صلاتي”. وتضيف قائلة إنها حملت بعد شهرين.
وتصف امرأة من البرازيل، قيل لها بأنها عقيمة، “معجزة تسمى غابرييلا” ولدت بعد أن سمعت عن الكنيسة في برنامج تلفزيوني وطلبت المسحوق.
وأيا كانت معتقداتك فإن زيارة هذه الكنيسة تفسح المجال للتفكير الروحي، فأجزاء منها منحوتة من الحجر الخام وهي باردة وهادئة من الداخل.
وفي أبعد نقطة في الكنيسة هناك لافتة تطلب “الصمت” ويمكنك أن تنظر إلى أسفل حيث كنيسة حديثة يوجد بها راهبات يقظات باستمرار ويصلين من أجل السلام.
ولقد رأيت نساء غير مسيحيات محليات بين اللائي يضئن الشموع، ونساء من جميع الجنسيات يجلسن بصمت أمام أيقونة مريم بالحجم الطبيعي.
وتصور اللوحة مريم وهي تحمل طفلها المسيح وترضعه. وفي الوقت الراهن، وبعد أن صار لدي طفل رضيع، لا يسعني إلا أن ألاحظ أن الإمساك بالطفل ليس بالشكل الصحيح في اللوحة.
لكن بالنسبة لي فإن هذه الصورة تنضح بالقوة الأنثوية وحب الأم.
“تجلب الأمل”
وتفتح الكنيسة لبضع ساعات فقط كل صباح بسبب قيود كوفيد 19، وسرعان ما أجد الشاب بطرس، الذي يستعد ليكون راهبا، قبل أن تغلق الكنيسة أبوابها. وكان يصلي من أجل زوجين من أمريكا الجنوبية بلا أطفال أرسلا رسالة.
وقال لي: “من الصعب جدا ألا تكون قادرا على إنجاب طفل، فالطفل يضفي نكهة خاصة على حياتك، ومريم أمنا فهي تسمع لنا وتدخل في قلوبنا”.
وأضاف قائلا إنه سعيد بالعمل في هذا الموقع المقدس. ويبتسم قائلا: “في عام الوباء هناك مكان سعيد ويجلب الأمل”.
وأنا أدرك أن هذا ما يعيدني إلى هذا المكان. فإذا دعت كنيسة المهد المؤمنين للاحتفال بميلاد طفل واحد في وقت عيد الميلاد، فإن كنيسة مغارة الحليب تعبر عن الفرح والأمل في المستقبل الذي يمكن أن يجلبه كل طفل.