موضع الجلجلة
الجلجثة هي اسم يشير إلى مكان يقع خارج مدينة القدس القديمة، يعتقد بحسب الإنجيل أن يسوع صلب عنده. تعود تسمية هذه المنطقة إلى الآرامية جاجولثا بمعنى موقع الجمجمة.
الجلجثة في الإنجيل
ترد قصة صلب يسوع في الإنجيل مع اسم «الجلجثة» في الأناجيل الأربعة.
-
متى: 27:33
-
ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة.
-
-
مرقس: 15:22
-
وجاءوا به إلى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة.
-
-
لوقا: 23:33
-
ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره.
-
-
يوحنا: 19:17
-
فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة.
-
التسمية
الاسم : قد تعود تسمية هذا الموقع ” بالجلجثة ” أو ” الجمجمة ” إلى الأسباب الأربعة الآتية :
(1) ــ كونها الموضع الذي كانت تلقي فيه الجماجم أي أنها كانت الموقع المخصص لتنفيذ أحكام الإعدام. وقد نشأ هذا الاعتقاد منذ عصر جيروم ( 396 ــ 420 م )، الذي يرفض ما سنتعرض له في السبب الثالث، حيث أنه يقول : ” كان هناك موضع خارج المدينة حيث كانت تقطع رؤوس المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام، ومن هنا جاءت تسميته “بالجمجمة “. قد بني عدد من الكتاب هذه الفكرة فيما بعد. ولكن يعترض البعض على هذا الرأي بأنه ليس ثمة دليل على أنه كان هناك في القرن الأول موضع مخصص يقوم فيه اليهود بتنفيذ أحكام الإعدام. وحتى لو أن مثل هذا المكان كان موجودا فإنهم كانوا يسمحون بدفن الجثث ( مت 27 : 58، يوحنا 19 : 38 ) بحسب ما جاء في الناموس اليهودي ( تث 21 : 23 )، وتبعا للعادات المألوفة كما يقول يوسيفوس.
(2) ــ نشا حديثا اعتقاد ــ وجد قبولا لدى الكثيرين ــ بأن هذه التسمية تعود إلى شكل التل الذي يشبه ” الجمجمة “، ولكننا لا نجد أثرا لهذه الفكرة لدى الكتاب الأوائل، سواء من اليونانيين أو من اللاتينيين. كما أنه لم يرد في البشائر مطلقا ما يدل على أن الطلب حدث على مكان مرتفع. ويقول ابيفانيوس بوضوح ( من القرن الرابع ) : أنه لا يوجد بالمكان شيء يطابق هذه التسمية فهو ليس قائما على تل ليطلق عليه ” موضع الجمجمة ” باعتباره يشغل موضع الرأس بالنسبة للجسد البشري “.
وقد بدا التقليد بتسميته ” جبل الجلجثة ” منذ القرن الرابع، فاقيمت على الموضع كنيسة القبر المقدس. أما فكرة مطابقة شكل التل للجمجمة فلم تنشأ إلا حديثا. وقد جمع ” جوته ” (Gothe) ما بين السببين الثاني والثالث في فكرة واحدة معتبرا أن هناك مرتفعا ما يشبه الجمجمة، درج الناس على النظر إليها على اعتبارها جمجمة أول إنسان. أما أغرب الاعتقادات، فهو ما أتى بها الجنرال غوردون، من ان التشابه مع الجمجمة هو في محيط المنطقة كما يتضح من أول وهلة عند النظر إلى خريطة أورشليم.
(3) ــ أما السبب الثالث فيرجع إلى تقليد قديم يعود إلى ما قبل المسيحية، بأن جمجمة آدم وجدت هناك. وأول من ذكر هذا التقليد هو اوريجانوس ( 185 ــ 253 م ) الذي عاش في أورشليم عشرين عاما، حيث كتب يقول : ” لقد سمعت تقليدا يقول بأن جسد آدم الانسان الاول قد دفن في نفس الموضع الذي صلب فيه المسيح “. وقد إشار إلى نفس هذا التقليد اثناسيوس وابيفانيوس وباسيليوس القيصري وفم الذهب وغيرهم من الكتاب، وما زال هذا التقليد يتردد إلي يومنا هذا، حيث يشار إلي وجود قبر آدم وجمجمته في كهف محفور أسفل الجلجثة. ويعد هذا أقدم تفسير لاسم ” الجلجثة ” وبالرغم مما يبدو من غرابته لارتباطه بادم، إلا أنه قد يكون أكثرها قربا من الحقيقة.
(4) ــ هناك نظرية أخرى ــ تخرج عن دائرة الاحتمال ــ وهي أن مدينة ” ايلياء كابيتولينا ” ( اورشليم الجديدة ) التي بناها الامبراطور هادريان، كانت تقوم فوق المكان الذي تقوم عليه كنيسة القبر المقدس، ومن هنا جاء اسم ” الجلجثة “، وهي نظرية تعني أنه لم يطلق على الموقع هذا الاسم، إلا في القرن الثاني، وكل الإشارات إليه في الأناجيل أدخلت اليها في ذلك القرن. وهي نظرية لا تتفق مطلقا مع التاريخ والمنطق السليم.
موقع الجلجثة
بنى الأمبراطور الروماني قسطنطين الأول كنيسة القيامة، في المكان الذي يعتقد أن المسيح صلب فيه 326 — 335. ووفقا للرواية المسيحية، قبر يسوع والصليب الحقيقي اكتشفت في ذلك الموقع من قبل الأمبراطورة هيلانة والدة قسطنطين، في عام 325.
كانت الجلجثة وقبر المسيح أصلا محجرا يقطع منه الأحجار لقربه من المدينة لإستعمالها فى البناء وقد توقف إستعماله قبل إستعمال الرومان له فى صلب المجرمين وقد أستعمل كمقابر وما زالت توجد هذه المقابر أسفل كنيسة القيامة
وكان هذا المحجر خارج أسوار أورشليم / القدس أثناء حكم هيرودس الكبير
الوصف
شاهد في الجهة الشرقية لموضع إنزال الجسد المقدس عن الصليب, درج شديد الانحدار, الذي يصل إلى منطقة الصليب االمحيي موضع صلب وموت السيد المسيح الذي غفر بدمه الكريم خطايا البشرية بعمل الفداء, وهو وضع الجلجلة أو الجلجثة بالعبرية أو موضع الجمجمة حسب ما ذُكر في إنجيل يوحنا البشير, توجد أيضا ثلاثة من الدرج التي تصل إلى هنا, أحدها موجود أمام مدخل الجهة الجنوبية من صحن كنيسة نصف الدنيا أي الكنيسة الرئيسية “الكاثوليكون”, الثاني من الباب المقدس للكنيسة الرئيسية “الكاثوليكون” والثالث من القسم الجنوبي الشرقي للكنيسة.
تقع الصخرة بالجهة الجنوبية الشرقية من صحن كنيسة نصف الدنيا “الكاثوليكون” وترتفع بمقدار أربعة ونصف أمتار عن أرضية الكنيسة, حيث توجد بشكلها الكامل أسفل التغطية الرخامية التي يشاهدها الزائر اليوم. في التصميم الأول للمكان المقدس, الذي يعود إلى عصر الامبراطور قسطنطين الكبير, كانت تلة الجلجلة تقع ضمن الركن الجنوبي للبهو الداخلي, ووفقاً للمصادر الموجودة كان يوجد في هذا الموضع صليب كبير مرصع بالأحجار الثمينة, هبة من الامبراطور البيزنطي ثيوذوسيوس الثاني عام 420. خلال النصف الثاني من القرن السادس كانت صخرة الجلجلة مكشوفة فتم وضع حاجز مشبك مصنوع من الذهب والفضة حول الصليب الذهبي, حيث كان المؤمنون يسجدون عنده.
عندما قام البطريرك موذيستوس بتجديد الكنيسة, صنع مضلة فوق الجلجلة, استمرت حتى القرن الحادي عشر, حيث أقيم حائط في الجهة الشرقية للجلجلة, وفي الجهة الجنوبية من هذا الحائط قام الصليبيون بفتح مدخل, أصبح اليوم بعد تعديله مجرد نافذة, في ذات العصر تم تقسيم المساحة التي تشكلت فوق قمة التلة الى قسمين مستطيلين متوازنين, ذات سقف مقوس باقبية مصلبة, فأصبحت هنالك كنيستين فرعيتين, الشمالية منهما تابعة للروم الأرثوذكس والجنوبية تابعة للاتين.
في القسم الشرقي من الكنيسة الفرعية التابعة للروم الأرثوذكس, أسفل المائدة المقدسة, التي ترتكز على أعمدة صغيرة ولا توجد عليها أية أغطية, حتى تترك مساحة حرة أمام سجود المؤمنين, نجد نقشاً مستديراً على الصخرة,وهو المكان حيث كان موضع صليب الرب يسوع المسيح, ويوجد فوق هذه النقطة طبق مزخرف مصنوع من الفضة, مقسم سطحه إلى خمسة أقسام تمثل أحداث في آلام السيد المسيح, بينما يحيط به حُلية زخرفية على الطراز اليوناني القديم يطلق عليها طراز “مينانذروس”.
حول رخام المائدة المقدسة, يوجد النص التالي: بدمك المقدس المسفوك أيها السيد المسيح من جنبك الطاهر وفدائك القابل للحياة, انتهت كافةً الذبائح إلى الاوثان, وتسيج لفدائك كل الأرض.
توجد بجوار المائدة المقدسة, في القسم الشمالي من الكنيسة الفرعية, مائدة التقديم, التي تأخذ شكل مظلة مفرغة, والتي تستند على أعمدة عليها النص التالي: 1842, يا فاعل الخلاص في وسط الأرض, ربنا يسوع المسيح, عندما مددت أيديك الطاهرة على الصليب وجمعت كافة الأمم التي تهتف لك, المجد لك يا رب.
يوجد خلف المائدة المقدسة, مشهد يمثل يسوع المصلوب, بالحجم الطبيعي , بينما توجد أسفل الصليب السيدة والدة الإله ويوحنا التلميذ المحبوب. ملابس هذه الوجوه مغطاه بالفضة وتوجد خلفها أيقونات صغيرة تمثل مشاهد من آلام السيد المسيح, تتوسطها أيقونة كبيرة للمسيح الذي يسير إلى الآلام, داخل إطار ذو نهاية مقوسة. جميع هذه المشاهد مغطاه بالفضة, ويوجد على جانبيها عدد من الأسرجة الكبيرة.
يضفى المكان إلى الزائر مهابة روحية حيث يقع في الموضع الحقيقي “خارج البوابة” حيث تألم المسيح. كما ويشاهد الزائر بين الكنيسة الفرعية الأرثوذكسية والكنيسة الفرعية اللاتينية, على صخرة الجلجلة الشق المعروف باسم “شق الساعة التاسعة” وما هو إلى الشق الذي حدث وفقا للوصف الوارد في الإنجيل في اللحظة الأخيرة عندما أسلم السيد المسيح الروح على الصليب. إنه عبارة عن شرخ غائر, يصل عرضه الى 12 سم في بعض نقاطه, وحصل هذا جراء هزة أرضية زلزلت المكان, يذكرها المؤرخان الرومنيان تاكيتوس وسيتونيوس, تسببت هذه الزلزلة في شق الجزء العلوي من الصخرة إلى قطعتين, وفقا لما ورد في الإنجيل (متى اصحاح 27).
تقع الكنيسة الفرعية التابعة للاتين, وفقا للتقليد المتوارث, في المكان الذي وضعوا فيه مسامير السيد المسيح على الصليب, هنالك عمل من الفسيفساء, يمثل هذا المشهد, ويقع في الكنيسة خلف الهيكل الرئيسي. توجد على اليسار أيقونة لوالدة الإله بينما تتلقى ضربة حربة, ترمز إلى آلام السيد المسيح, وتعتمد على وصف وارد في الإنجيل (لوقا 2:35) “وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة”.
توجد مساحة خلف الجدار الجنوبي للكنيسة الفرعية للاتين, حيث ينتهي إليها سلم يصل من الساحة المقدسة, التي تقع على يمين مدخل الكنيسة, وفقا للتقليد, من هذا الدرج صعد الامبراطور ايراكليوس (هيرقل) إلى الجلجلة عاري الراس وحافي القدمين, ليرفع الصليب المقدس الذي استعاده من السلب الفارسي, في عام 629, وهو الحدث الذي تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية سنويا, يوم عيد رفع الصليب المقدس (14 سيبتمبر).
من الجدير بالذكر أيضا هنا إلى أنه في الفترة أيار حتى اكتوبر 1988, في عهد البطريرك ذيوذوروس, تمت أعمال تتعلق بنزع البلاطات التي تغطي صخرة الجلجلة وتنظيف حشوات الجبس الموجود أسفل البلاطات. هذا العمل أقيم تحت إشراف الأستاذ الجامعي جورج لافاس والمهندس المعماري ميتروبولوس, وأثناء هذه الأعمال تم اكتشاف الشق الذي سبق ذكره وقاعدة حجرية مستديرة, خلف مركز المائدة المقدسة, حيث من الواضح أنها كانت موضع الصليب المقدس, أو ربما تدل على المكان الأصلي للموت على الصليب, حيث كانت توضع هناك في السنوات الأولى نماذج للصليب المقدس, كذلك وجد على يسار المائدة المقدسة طلاء بلون الذهب الأبيض عليه صلبان منقوشة, بالإضافة إلى أجزاء من أرضيتين متعاقبتين وجزء من جدار مائل ذي اتجاه من الشمال الى الجنوب, مستمر أسفل المائدة المقدسة, جميع ذلك يتطابق مع المعلومات الواردة في المصادر الموجودة اليوم عن تصميم المكان المقدس. على مدار الزمان الذي نتحدث عنه الآن, وبالربط بالشهادات التاريخية والتراث الحي لكنيسة أورشليم, لا مجال في التشكيك أن الجلجلة الموجودة داخل الكنيسة هو موضع صلب ربنا يسوع المسيح.