دير مار سابا
دير مار سابا (باليونانية: Λαύρα Σάββα τοῦ Ἡγιασμένου) هو دير للروم الأرثوذكس يطل على وادي الجوز (القدرون) في بلدة العبيدية (عرب ابن عبيد) شرقي بيت لحم في فلسطين. تم بناؤه بين عامي 478 م – 484 م، على يد الراهب سابا بمشاركة 5000 راهب، وهو بهذا يُعتبر واحد من أقدم الأديرة المأهولة في العالم.
يقع دير مار سابا في صحراء وادي القدرون التي تبعد نحو عشرين كلم عن مركز مدينة بيت لحم بالضفة الغربية. ويحتاج الوصول إلى المكان المرور ببلدة العبيدية والسير عدة كيلومترات في منعطفات ومنعرجات تتخللها مناظر خلابة للتلال والجبال.
بُني الدير بطريقة هندسية جزءا فوق جزء، على سفح أحد الجبال المتصلة بالسلسلة الجبلية. ويكاد يكون البناء منحوتا في بطن هذه الجبال. يذهب كثيرون إلى هناك من أجل المشاهدة والتنزه، وليس فقط للصلاة بالنسبة للمسيحيين.
سمي نسبة لمار سابا الذي أتى إلى البلاد من كبادوكيا (الاسم التاريخي لإقليم آسيا الصغرى) في ذروة الحركة الرهبانية وأسس الدير في القرن الخامس ميلادي. يقع الدير في وادي قدرون، المعروف محليا بوادي النار، ومبناه الشامخ ينسجم وتضاريس البيئة الصحراوية التي تؤدي طريقها إلى البحر الميت. يحتوي الدير على 110 غرفة، وكان مأوى لأكثر من 5000 راهب في يوم من الأيام، لينخفض عددهم اليوم إلى عدد قليل من الرهبان. يضم الموقع عدد من الأبنية الجذابة منها الكنيسة الثمانية الشكل التي تعلوها قبة حيث توجد بقايا القديس سابا، مغارة الأسود التي تعتبر المكان التذكاري الأساسي لمار سابا، مغارة مار سابا، وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي. كما يحتوي المبنى على جماجم لا تعد ولا تحصى للرهبان الذين قتلوا على يد الفرس خلال اجتياح عام 614 ميلادي، وشجرة نخيل مغروسة في الصخر والتي زرعها مار سابا لتحمل ثمار البلح الخالية من البذور، ومجموعة كبيرة من الأيقونات واللوحات، بما فيها لوحة يوم الحساب ولوحة لمراسم دفن القديس يوحنا الدمشقي.
وقد توفي الراهب سابا في 532 م، وبعد سنوات حمل الصليبيون جثمانه إلى الغرب ثم أعادوه إلى مكانه. وتم حفظ رفاته بعد تحنيطها في صندوق زجاجي. ولا يزال الدير يحتفظ بالعديد من تقاليده العريقة، من أهمها: فرض قيود على دخول النساء إلى المجمع الرئيسي. ويُعتبر «برج المرأة» (أو ديرالبنات)المبنى الوحيد الذي يمكن للمرأة أن تدخله، ويقع بالقرب من المدخل الرئيسي.
يقيم في هذا الدير حالياً خمسة عشر راهباً يونانياً يقومون على خدمته ويعتزلون كافة مظاهر الحياة المدنية من كهرباء وهواتف وغيرها ويستخدمون الوسائل البدائية لتسيير أمورهم.
التأسيس
بُني دير مار سابا بطريقة هندسية فريدة قبل 1500 عام بيد الراهب سابا ومعه مجموعة من الرهبان على سفح أحد الجبال، ويكاد يكون الدير منحوتا في بطن الجبل. ويرمز إلى حياة “الرهبنة الصعبة”، لذلك يقصده رجال الدين المسيحي من كان مكان في العالم.
وبحسب مصادر الدير، فإن سابا صار راهبا وعمره ثماني سنوات، وجاء إلى منطقة بيت لحم وعمره 18 عاما، وتوفي عام 532 ميلادي. وتوجد جثته في الدير داخل تابوت زجاجي، كما توجد فيه مقبرة دفن بها الرهبان ورجال الدين الذين توفوا داخله.
تحفة معمارية
يذكر المسؤولون الفلسطينيون أن الدير يتميز بكونه تحفة معمارية، حيث يرتفع في أجزاء منه إلى عدة طبقات، إضافة إلى العديد من الأبواب والممرات الضيقة التي تؤدي إلى أقسام متعددة من المبنى الذي يضم نبع ماء، وكذلك مجموعة من الآبار لجمع مياه الأمطار.
وهناك العديد من الرهبان المهمين الذين أقاموا فيه، ومنهم يوحنا الدمشقي عام 720 ميلادي خلال الفترة الأموية، حيث كان الدير تجمعا للرهبان. وشهد البناء تفاعل العديد من الحضارات، وآخر مرة جرت فيه أعمال ترميم وبناء كانت عام 1840 من قبل الكنيسة الروسية.
قوانين
تُتداول حكايات وقصص كثيرة حول دير مار سابا، ومنها أن مياه نبعه تشفي من الأمراض.
ويواصل الدير تطبيق تقليد قديم يمنع النساء من دخوله، لكن يمكنهن الوصول إلى مدخله والوقوف ببابه أو النظر إليه من الخارج، والحصول على شربة من نبع مائه أو بعض طعامه للبركة، لكن دخولهن إليه ممنوع. وذكرت تقارير إعلامية أن السبب وجود قناعة بأن زلزالا سيضرب الدير إذا ما دخلته امرأة.
وبحسب ما ذكرته صحيفة “الشرق الأوسط” في أحد أعدادها لعام 2010؛ فإن من بين القوانين الموجودة في الدير المنع من أكل التفاح، وسبب ذلك أن سابا أراد أن يأكل تفاحة في غير موعدها لكنه رأى في ذلك شرَهاً فلم يأكلها.
الرهبان يرفضون تمديد الكهرباء والماء إلى الدير، ويستخدمون الشموع ومياه النبع المجاور الذي يعتقد بأنّ لها قدرة شفائية من الأمراض ويرفض القائمون على الدير ربطه بالكهرباء أو المياه أو وسائل الاتصال الحديثة ومنها الإنترنت، وفسر أحد المقيمين به ذلك -في حديث لوسائل إعلام عام 2010- بقوله “لا نريد لشيء أن يشوش على اتصالنا بالله، الكهرباء والتلفزيون والإنترنت ستأخذ من وقتنا وتشوش على عقولنا، وبالتالي على اتصالنا بالله”.
تراث عالمي
عند إعداد وزارة السياحة والآثار الفلسطينية قائمة تمهيدية للمواقع الأثرية المرشحة للانضمام إلى قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي عام 2016، كان دير مار سابا في صدارة عشرين موقعا.
والقائمة كانت معدة سلفا لكن المساعي في هذا الصدد تسارعت بعد أن أصبحت فلسطين تتمتع بعضوية كاملة في اليونسكو عام 2011.
ومن بين المواقع الأخرى في قائمة المواقع المرشحة: جبل جرزيم، وكهف شقبا، وتل أم عامر، وميناء غزة القديم، وقرى الكراسي، وبلدة الخليل القديمة. ونجح الفلسطينيون في تسجيل المدرجات المائية في قرية بتـّـير على لائحة التراث العالمي.
وقال مسؤول ملف التراث العالمي في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أحمد الرجوب، لوكالة رويترز للأنباء في مارس/آذار 2016 “لدينا أولويات في تسجيل بعض المواقع الفلسطينية على لائحة التراث العالمي في اليونسكو، وبالتأكيد هذا الدير (دير سابا) يستحق أن يكون على لائحة التراث”.
قال المطران ثيوفانيس، وهو أحد مطران بطريكية الروم الأرثوذكس في القدس، إن آلاف السياح يزورون الدير سنويا، قادمين من دول مختلفة، أهمها روسيا ورومانيا وبلغاريا وصربيا واليونان وغيرها.
ويعتقد بعض السكان المحليين أن شرب الماء، بعد غلي جزء من ورقة سعف النخلة فيه، قد يشفي من أمراض عدة، أبرزها العقم.
منه خرج التقويم المسيحي
ومنذ عقود طويلة ظل دير مار سابا محط الاهتمام، فيقول قال رئيس بلدية العبيدية سليمان العصا، لـ ألترا فلسطين إن هذا الدير يعدُّ من أقدم الأديرة في العالم، ومن أكثرها أهمية لقربه من مدينة الميلاد بيت لحم، فمنه خرج تقويم الصلاة والصيام للعالم المسيحي، ويعيش الرهبان فيه حياة بدائية حتى اليوم دون كهرباء أو أدوات اتصال حديثة.
وقال إن البناء شهد تفاعل العديد من الحضارات وإن آخر مرة جرت فيها أعمال ترميم وبناء في الدير كانت عام 1840 من قبل الكنيسة الروسية.
ويتم تداول الكثير من الحكايات والقصص حول المكان منها أن مياه نبعه تشفي من الأمراض.
مراجع
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:أ ب «مار سابا» أشهر دير في فلسطين.. ممنوع على النساء | الشرق الأوسط نسخة محفوظة 28 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ “دير مار سابا”. enjoybethlehem.com (بالإنجليزية). Archived from the original on 2022-03-23. Retrieved 2022-03-23.
- ^ دير مار سابا | كنيسة الآباء الأجداد للروم الأرثوذكس في فلسطين. نسخة محفوظة 21 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين