أيقونة والدة الإله “الرّمز”
توجد في دير القدّيس “سيرافيم بونياتسك “* في روسيا.
نمط هذه الإيقونة هو والدة الإله المصليّة، وتلقّب بـ“الرّمز”. رسمتها راهبة من دير القدّيس “سيرافيم بونياتسك”، الموجود في “نوفغورود” الرّوسيّة.
بقيت ستّ سنوات في قلّاية عاديّة، لكنّها استضاءت بشكل عجيب في 14 أيّار1885، فتمّ نقلها إلى الكنيسة. كثرٌ الّذين بعد الصّلاة أمامها نالوا الشّفاء، وأُنشئت هيئة خاصّة لتأكيد الأشفية الّتي بلغت حينها السّبعين عددًا.
بعد العجائب الكثيرة الّتي جرت، وُضعت الإيقونة في الكنيسة الرّئيسيّة للدّير. وقد عاينت راهبة، ذات يوم، بأمّ العين وجه والدة الإله يتغيّر، يستضيء ويصير حيًّا!. تكرّم هذه الإيقونة في 27 تشرين الثّاني.
كان اسم الإيقونة فقط “والدة الإله” لكنّ صفة الرّمز التصقت بها منذ القرن الخامس عشر. يُذكر في تاريخ مدينة “نوفغورود” أنّ الشّعب انتصر في تلك الفترة “بعون الرّبّ ووالدة الإله”. في اللّغة الرّوسيّة يرتبط الرّمز مباشرة بفعل المعرفة، الّذي بدوره يعني الولادة أو الإيلاد. وإذ يجتمع المعنيان: المعرفة والولادة تولد كلمة الرّمز.
في تفسير أعمق للإيقونة، يقول “يازكوياف”: “إذ نتأمّل في الإيقونة، نشاهد قديّسة القدّيسين، مريم المباركة، الّتي حبلت في حشاها بالإله الإنسان، بالرّوح القدس. الدّائرة الّتي يصوَّر المسيح في داخلها تشير إلى البشارة، وإعلان “السرّ الّذي منذ الدّهور”، وهذا ما يشير إليه تعبير “الرّمز” بالدّرجة الأولى. ثانيًا، إذ “عرفت” والدة الإله المخلّص قبل الولادة، وهو في حشاها، “ولدت” الإله الطّفل في العالم ليخلّص الجنس البشريّ.
يدا والدة الإله مرتفعتان إلى السّماء تنفتحان بسعة لاستقباله “هو”، الفائق العالم، وفي الوقت عينه تبارك المؤمنين. هذه حركة قديمة جدًّا في الصّلاة بحسب شهادة ترتليانوس: “كانت أيدي المؤمنين ترتفع في الصّلاة تشبّهًا بآلام المخلّص”. وارتفاع اليدين أيضًا يشير إلى التوسّل لأجل الشّعب بحسب ما ورد في إحدى المخطوطات البيزنطيّة من أوائل القرن الثّالث عشر: “ارفعي يديك وتوسّلي لأجل العالم أجمع، وأرشدينا إلى سبل الخلاص يا كليّة النّقاوة”. وفي العهد القديم، أعان الرّبّ شعبه في مواجهة عمّاليق لمّا رفع موسى يديه.
تجتمع في هذه الإيقونة رموز العهدين القديم والجديد. الإله الطّفل المولود في العالم لأجل خلاصه، محاطًا بهالة تشير إلى الطّاقة الإلهيّة الّتي انبثّت في العالم. الهالة هنا هي “رمز”، لخروج الجنين من ظلمة الحشا إلى النّور. إنّه “النّور الحقيقيّ الّذي ينير كلّ إنسان “(يو1: 9). وبالنّسبة للتّقليد المرتبط بالإيقونة فإنّ الشّعب النوفغوروديّ، إذ كان يلتفت نحوها ويطلب العون من والدة الإله، كان “يتأيّد”، ويشير الاسم أيضًا إلى الآية والأعجوبة، إذ إنّ الرّمز هو علامة والعلامة هي الأعجوبة: “إِنَّ عَلاَمَاتِ الرَّسُولِ صُنِعَتْ بَيْنَكُمْ فِي كُلِّ صَبْرٍ، بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ”(2كو12: 12)،
هذه الإيقونة، لكلّ مسيحيّ، هي إعلان. إذ يقترب من سرّ ولادة الرّبّ في العالم، يأتي إلى معرفته، وتحمل هذه الولادة له خلقًا جديدًا: يصير الإنسان إلهًا بالنّعمة. بكلام آخر، يتّحد الإنسان مع الله سرّيًّا، بدون انقسام ولا اختلاط، فتتحقّق نبوءة أشعياء: ” هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا”.
* دير القدّيس “سيرافيم بونياتسك “، دير شادته إحدى النّبيلات إكرامًا لذكرى القدّيس “سيرافيم ساروفسكي” في منطقة “نوفغورود” الرّوسيّة. أُقفل في الزّمن الشّيوعي، ثمّ تحوّل إلى مصحّ للأمراض العقليّة ثمّ إلى مدرسة. أُقفلت المدرسة لكنّ الرّهبنة لم تتجدّد فيه حتّى اليوم.