الفصل الأول: الإلهام والوحي
1- الإلهام في الكتاب المقدّس جزء من وحي الله:
(عبرانيين1/1-3): “إنَّ الله، بعدما كلَّم آباءنا قديماً مرَّاتٍ كثيرة بلسان الأنبياء كلاماً مختلف الوسائل، كلَّمنا في هذه الأيام، وهي آخر الأيام، بلسان الابن الذي جعله وارثاً لكلِّ شيء وبه أنشأ العالمين. هو شعاع مجده وصورة جوهره، يحفظ كلَّ شيء بقوَّة كلامه. ولمَّا طهَّر العالم من الخطايا، جلس عن يمين ذي الجلال في العلى”.
كلُّ شيء نؤمن به هو كلمة من الله، والرب لم يتكلَّم فقط بعهد وعصر السيد المسيح، وإنَّما تكلَّم منذ البداية منذ بداية الخلق. الله لا يتكلَّم إلاَّ لهدف الخلاص، وفي مركز هذا التاريخ (تاريخ الخلاص) شخص يسوع المسيح. فمنذ بداية الخلق كان الله يتكلَّم مع البشرية لأجل خلاصها، وهذا ما حقَّقه يسوع المسيح في شخصه. ولا مرَّة خلق الله البشرية لوحدها، إنَّ كلمة الله هي بالحقيقة مبادرة من الله.
كلمة الوحي كلمة نادرة في العهد القديم، بينما ترد في العهد الجديد ثماني عشرة مرَّة، وخاصة في رسائل الرسول بولس بالإضافة إلى سفر الرؤيا الذي كان في الأساس (الأصل) سفر الوحي الإلهي. وتعبِّر هذه الكلمة (الوحي) عن الحقيقة الإلهية، وعن كشف السرّ الإلهي، وأخيراً كشف سرّ يسوع المسيح الذي هو الكشف التام الإلهي. أما في دراستنا هذه فسوف نحدِّدها عن الوحي في الكتاب المقدَّس؛ والذي يعبِّر (الوحي) عن كشف الله لذاته، وكشفه عن جميع الأسرار الإلهية.
الإلهام والوحي عنصران ضروريان وأساسيان في تكوين الكتاب المقدَّس “الإلهام الإلهي، الوحي الإلهي”.
أـ الإلهام:
هو حثُّ الله للمؤمن أو للبار، ودفعه عن طريق الضمير أو أيّ طريق آخر إلى الكتابة، وتبليغ الناس بموضوع الوحي.
الكتاب المقدَّس نعترف به جميعنا بأنَّه كلمة الله؛ ولكن هنالك البعض من الناس يشكُّون في صحَّته، لذلك لا بدَّ من معرفته جيداً وبشكل واضح من أجل الردِّ عليهم. الكتاب المقدَّس هو كلمة الله وهو ناتج عن إلهام الله للإنسان في تكوينه وأساس شريعته.
هناك علاقة وثيقة بين الله والكتاب المقدَّس والخبرة الشخصية للكاتب أو للشعب. المهم هو أنَّ الله هو مصدر الكتاب المقدَّس. إذاً الكتاب المقدس هو مقدَّس لأنَّه إلهي. فأول صفة للكتاب المقدَّس هي القداسة (شرعي-قانوني). الله لا يختار عشوائياً أيَّ إنسان لإيصال كلمته، فهو يختار أشخاصاً يمكنهم فهم كلمته والإصغاء إليه، ومن ثمَّ باستطاعتهم إيصالها للآخرين (رسالة موسى) .
ولكن شرعية الكتاب المقدَّس تأتي من أنَّه ملهم، وعندها يصبح الكتاب المقدَّس هو القاعدة الأساسية والضرورية لإيصال الكلمة الإلهية. موضوع الكتاب المقدَّس “كلمة الله” مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالخبرة مع الله، الله يبادر والشعب يجاوب على هذه المبادرة بواسطة الأنبياء، ومن ثمَّ تتمُّ الكتابة “كتابة الكتاب المقدَّس”.
كان الكتاب المقدَّس أولاً متناقل شفهياً، ومن ثمَّ أصبح صيغة مكتوبة في العهد القديم وذلك لأنَّ الكتابة تحفظ الشيء المتناقل من الضياع أو الزيادة؛ أما في العهد الجديد فأصبح الكتاب المقدَّس صيغة متجسِّدة مع شخص يسوع المسيح المتجسِّد. الكتاب المقدَّس هو شهادة، أو ذكر لحياة الشعب مع الله (ذكرى).
(2تيمو3/14-17): “فاثبت أنت على ما تعلَّمته وكنتَ منه على يقين، فأنت تعرف عمَّن أخذته، وتعلم الكتب المقدَّسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تزوِّدك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بالمسيح يسوع. فالكتاب كلُّه من وحي الله يُفيد في التعليم والتنفيذ والتقويم والتأديب في البِرّ ، ليكون رجل الله كاملاً مُعَدّاً لكلِّ عملٍ صالح”.
(2بطر1/20-21): “واعلموا قبل كلِّ شيء أنَّه ما من نبوءةٍ في الكتاب المقدَّس تقبل تفسيراً يأتي به أحدٌ من عنده، إذ لم تأتِ نبوءةٌ قطُّ بإرادة بشر، ولكنَّ الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلَّموا من قِبَلِ الله”.
كلمة الله هي من روح الله، فالروح يأتي من الله ومن خلال هذا الروح يستطيع الكاتب التعبير، فهو حاجة ضرورية للكاتب والمترجم والملهم. الروح هو الذي يُلهم، إنَّه المعزِّي الصالح، الربُّ المحيي، هو الذي حلَّ على التلاميذ، هو الذي يربط العهد القديم بالعهد الجديد، أو هو الذي يواصل القديم في الجديد.
ب- نشأة الإلهام:
الإلهام ظهر بسبب الشَّك الذي ظهر مع مارتن لوثر، الذي شكَّ في صحة الكتاب المقدَّس، وعدم الثقة في التعبير عنه. فكان من واجب الكنيسة الإجتماع وتحديد المعرفة الطبيعية والمعرفة ما فوق طبيعية، وتحديد المعرفة العقلية ومعرفة الإيمان؛ فالكتاب المقدَّس لا يتوقَّف على المعرفة العقلية كسائر الكتب، وإنَّما يتعدَّاه إلى المعرفة الإيمانية. ومن ثمَّ نتساءل فيما إذا كان الكتاب المقدَّس كسائر غيره من الكتب؟. والجواب بالتأكيد هو كلاَّ، فهو كتاب مقدَّس، كلُّه مقدَّس بكلماته وحروفه، إنَّه مقدَّس لا مجال للشَّكِّ فيه حتى في المتناقضات الموجودة والظواهر الغريبة؛ والكنيسة تؤكِّد أنَّ الكتاب المقدَّس الذي هو عمل إلهي وعمل بشري لا مجال للشَّكِّ به، وهذا ما يفسِّر التناقض في التعبير وليس التناقض في الوحي الإلهي (الوحي الإلهي 9-11-13).
الكتاب المقدَّس ما هو إلاَّ وسيلة لإيصال التجلِّي الإلهي ومضمون الوحي. وهذا معناه، أنَّنا لا نؤمن بالحرف وإنَّما نؤمن بالمضمون، نؤمن بالرسالة التي يريد الله إيصالها لنا من قِبَلِ أشخاصٍ إختارهم هو نفسه.
نحن في العهد الجديد نؤمن بشخص يسوع المسيح وليس بكلمة مكتوبة فقط، فالكتابة بالنسبة لنا ما هي إلاَّ وسيلة لحفظ الكلمة وصونها خوفاً على ضياعها وعلى تشويهها عبر مرور الزمن. نحن أهل شخصٍ ولسنا أهل كتابة، وهذا جوابٌ واضحٌ على الذين يقولون بأنَّنا أهل كتابة.
ج- بشرية الكتاب المقدَّس وموهبة المؤلِّف (الناحية البشرية للكتاب المقدَّس):
كما أنّ الكتاب المقدَّس هو كتاب إلهي كذلك هو كتابٌ بشري، (بشري بمعنى أنَّه وسيلة للتعبير عن الله)؛ الإنسان يشترك في عمل الله الخلاصي أي أنَّ الإنسان يشارك الله في عمله (الخلق، تعليم الكلمة، الخلاص…)، فالله يختار الإنسان لأسمى وأصعب الأعمال (خوف، رهبة…).
الله اختار المؤلِّف لأنَّ فيه صفات القداسة والبِرّ، كما أنَّ المؤلِّف أيضاً لم يكن وسيلة سلبية للكتابة فقط، وإنَّما استخدم الله عقل وقلب وإحساس وفكر وفهم وطاقة وموهبة الكاتب ليكرِّسه ويوجِّهه نحو إيصال كلمته. فالكاتب ليس قلماً يكتب أشياء فقط، وإنَّما يشترك بالعمل الإلهي، فالله لم يستغني لا عن فكره ولا عن تعبيره ولا عن قدرته، ولذلك فالمؤلِّف هو مؤلِّف حقيقي.
وفي الكتابة نلاحظ العفوية والصدق والطبيعية، فالكاتب عبَّر عن الرسالة الإلهية بصدقٍ وعفويةٍ وطبيعية، ولم يخطر بباله ولا مرَّة بأن يُنشئ مقدِّمة وخاتمة وصلب لهذا الموضوع أو لهذه الرسالة. ونحن علينا ومن الواجب أن نخرج من حرفية الكلمة إلى جوهرها، لذلك كان هدف الكاتب واحدٌ فقط ألا وهو إيصال الكلمة الإلهية. إنَّ كلمة الله بسيطة جداً، ولأنَّها بسيطة فهي عميقة جداً، كما أنَّها جوهرية “بساطة الأشياء في جوهرها”، الرسالة الإلهية هي رسالة أبدية أزلية.
د- العلاقة بين الإلهام والمؤلِّف:
لكلِّ كاتب طريقته وأسلوبه وفنّه بالكتابة، الله هو الذي يملي ولكنَّ الكاتب هو الذي يكتب بتعبيره الشخصي، فالكاتب ليس بناسخ، وإنَّما نرى فيه الكثير من العاطفة. لذلك فالكتاب المقدَّس هو كتاب منزل بمعنى الإلهام.
الكتاب المقدَّس هو كلمة نقية وصافية، لأنَّ الله هو ذو صفاء تام ونقاء تام، هو كلمة ذات سلطة لأنَّ الله ذا سلطان، هو كلمة من أجل البشر والتي تصل عن طريق المؤلِّف.
إنَّ قداسة الكتاب المقدَّس تأتي من أنَّه رسالة إلهية، فالقداسة الموجودة في الكتاب المقدَّس هي بما يواصله بجوهره الإلهي، ومن ناحية أخرى نرى أنَّ هناك إعتماد كلِّي من الله على الكاتب، ومن الكاتب على الله لإيصال الرسالة الإلهية؛ فقداسة الكتاب المقدَّس هي الرسالة الإلهية.
إنَّ الإلهام هو مرادفٌ لكلمة الكتاب المقدَّس “كلمة الله” هي كلمة حيَّة وليست بكلمة جامدة، إنَّها كلمة خلاص. فالله شخصياً هو الذي يتحدَّث يدعو وينتظر الجواب، وهذا هو ال أي حديث وحوار الله، وقمَّة كلمة الله هي بيسوع المسيح وهي كلمة فعَّالة تعمل دوماً. إنَّ الإلهام هو مرادفٌ للقداسة، مرادفٌ للحقيقة، مرادفٌ للنَفَسِ الإلهي والروح القدس، أي أنَّ كلّ شيء يخرج عن الله هو إلهام روحي وقداسة وحقيقة؛ يسوع هو صورة الآب ومن خلال شخصه أصبح كلُّ شخصٍ منَّا صورةً ليسوع صورةً للآب؛ وقد تمَّ استرجاع الصورة الأولى صورة ما قبل السقطة بشخص يسوع المسيح (آدم الجديد).
ر- الإلهام والوحي:
الكتاب المقدَّس الملهم هو وسيلة لإيصال الوحي، وكلمة الله تجد كمالها في شخص يسوع المسيح الذي هو كمال الوحي بذاته. الكلمة الملهمة تُعطى لأشخاصٍ وُهبوا نعمة استلام الروح والقدرة على تحويله بأسلوبٍ بشري. الكثير من الناس يستطيعون فهم الله، ولكن للأسف لا يستطيعون إيصاله للآخرين (الوحي الإلهي 2).
في العهد القديم كان الإلهام تحضيراً لمجيء المسيح، وكان كلُّه باتجاهٍ واحد نحو شخص يسوع المسيح؛ أما في العهد الجديد فالإلهام هو جمع كلّ الشهادات من أعمال وأقوال المسيح وكتابتها، وهذا يكتمل بالكنيسة من خلال الأسرار (الوحي الإلهي 7-8)؛ والكنيسة لأجل ذلك كرَّمت الكتب المقدَّسة (المكتوبة والمتجسِّدة)، والأسرار بمعنى أنَّ يسوع الذي هو كمال الوحي لم ينتهِ بل هو موجودٌ دائماً من خلال سرِّ القربان ومن خلال كلمته. فالكنيسة تؤمن وتعلِّم أنَّ الله ذاته يتكلَّم.
س- ما هو الفرق بين الله والإنسان؟.
الإنسان عندما يخطأ يعاقبه الآخرين ويوجِّهون إليه الملامات والتوبيخ والشتائم، أما الله فعندما يخطأ الإنسان تجاهه أو تجاه الآخرين فإنَّه يصبر عليه ولا يحكم مباشرةً على تصرُّفه أو على خطئه، كما أنَّه ينتظر رجوعه إليه حتى آخر لحظة من حياته، فهو لا يريد هلاك أيّ إنسان وإنَّما خلاصه، وهذا ما يؤكِّده إنجيل الابن الشاطر.
ز- الوحي:
هو كشف الله لحقيقة أو لحقائق خاصة أو هامة في شأنه أو حقائق في تدبير الخلاص المُعَدَّ للبشرية. الوحي كلمة مصدرها يوناني وتعني : كشف عن – رفع الغطاء عمَّا هو محجوب – فالله بمبادرة منه يكشف عن الغطاء الغير المفهوم بالنسبة للبشر. وتأخذ أيضاً الكلمة معنى: الإطلاع على الشيء سواءً بفتح الأعين ( الرؤية بالمعنى العميق هي إختبار الله )، أو بفتح الأذنين ( الإصغاء بمعنى استقبال وطاعة الله ).
رأى (تك 12/7): “فتجلَّى الربُّ لأبرام وقال: لِنَسْلِكَ أُعطي هذه الأرض. فبنى هناك مذبحاً للربِّ الذي تجلَّى له”.
الربُّ يتراءى (تك 17/1): “ولمَّا كان أبرام ابن تسعٍ وتسعين سنةً تجلَّى له الربُّ وقال له أنا الله القدير اُسلك أمامي وكُن كاملاً”.
الربُّ يظهر نفسه (تك 24/1): “وشاخ إبراهيم وطعَنَ في السِّن، وبارك الربُّ إبراهيم في كلِّ شيء”.
( مز 10 “11” /7-8 ): ” يُمطر على المنافقين فخاخاً وتكون النار والكبريت وريح السُّموم حظَّ كأسهم، لأنَّ الربَّ عادلٌ ويحبُّ العدل ووجهه ينظر إلى الإستقامة “.
في العهد القديم كان للنبي صفات كثيرة، ومن بين هذه الصفات صفة الرائي (الذي يختبر الله)، من يرى الله ليس حسيّاً بل إختبار الله معنوياً (بالعقل والقلب)، ( 2 صمو 24/11 ): “فلمَّا نهض داود في الصباح، كان كلام الرب إلى جادٍ النبي، رائي داود قائلاً”، الرؤية بالمعنى العميق تعني الإلتقاء بالشخص ومعرفته والإتصال به شخصيّاً. فكلمة “رأى” لا تعني النظر بالعين فقط بل النظر عن طريق العقل والقلب؛ أمَّا كلمة “يتراءى” فتعني أنَّ الله يكشف نفسه ليكشف عن مجده، وعن حقيقته، وعن عدله ومحبَّته وعن عظمته ( أشعيا 40/5 ): ” ويتجلَّى مجد الربِّ ويعاينه كلُّ ذي جسدٍ لأنَّ فم الربِّ قد تكلَّم “. ونرى التعابير المقصود فيها المعرفة الحسِّية وهي: رأيت، عاينت شاهدت، نظرت ( أشعيا 6/1 ): ” في السنة التي مات فيها الملك عُزِيَّا رأيت السيِّد جالساً على عرشٍ عالٍ رفيعٍ وأذياله تملأ الهيكل “.
الرؤيا بمعنى الإصغاء ( هوشع 1/1 ): ” كلمة الربِّ التي كانت إلى هوشع بن بئيري في أيام عُزِيَّا ويوتام وآحاز وحزقيَّا ملوك يهوذا، وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل “.
( ميخا 1/1 ): ” كانت كلمة الربِّ إلى يونان بن أمتَّاي قائلاً “. فالإصغاء يعني الإصغاء بانتباه، كما أنَّه يفهمنا بأنَّ كلمة الله هي صوتٌ ورؤيا ( 2صمو 7/4 ): “فكان كلام الرب في تلك الليلة إلى ناتان قائلاً”، فكلمة الله تصبح منظورة ومسموعة ( أشعيا 2/1 ): ” الكلام الذي رآه أشعيا بن آموص على يهوذا وأورشليم “. (إرميا 2/31 ): ” أيها الجيل اُنظروا كلمة الرَّبِّ، هل كُنْتُ قفراً لإسرائيل أو أرض ديجور فما بال شعبي قالوا قد انصرفنا فلا نعود نأتي إليك “. ( الوحي الإلهي 1-2 ). والله يكشف عن ذاته وعن سرِّ إرادته وعن اسمه الإلهي، فالكشف عن الإسم يعني الكشف عن الشخص، فالإسم هو مرادفٌ للشخص؛ إذاً كلمة الله مكشوفة بالقول والعمل.
2- العلاقة بين الوحي وكلمة الله:
هناك أشكال عديدة تظهر فيها كلمة الله، ولكن أهم شكل ظهرت فيه كلمة الرب “الوحي” بمعنى أنَّ الوحي الإلهي موجود في كلمة الرب، سواءً المسموعة منها أو المنظورة، وفي العهد الجديد الوحي الإلهي هو شخص يسوع المسيح والكنيسة من بعده. ( الوحي الإلهي 1-2-4-9-17-21-26 ). كلمة الربِّ إذا دخلت الحياة فإنَّها لا تُنتَسى، كلمة الربِّ “الوحي” فعَّالة وقوية وقديرة، وأحياناً كثيرة نراها بصيغة الجمع “كلمات الرب، الوصايا العشر، كلام العهد”.
( خروج 34/28 ): “وأقام هناك عند الربِّ أربعين يوماً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً فكتب على اللوحين كلام العهد الكلمات العشر “. ( تث 29/1 ): ” هذا كلام العهد الذي أمر الربُّ موسى بأن يقطعه مع بني إسرائيل في أرض موآب، سوى العهد الذي قطعه معهم في حوريب “.
كلمة الربِّ بالنسبة لإسرائيل كانت فوق كلِّ إعتبار، كانت دائماً تسبق أيَّ عملٍ لإسرائيل “الشعب القديم المؤمن”، كلمة الرب هي صنع الله منذ الأزل، والله يكمل عمله من خلال كلمته، وخاصةً بيسوع ومن ثمَّ الكنيسة بالإضافة إلى عمل الروح القدس. كلمة الرب تعني صنائع الرب، معجزات الرب ( أشعيا 55/10-11 ): ” لأنَّه كما ينزل المطر والثلج من السَّماء ولا يرجع إلى هناك بل يروي الأرض ويجعلها تُنشئ وتُنبت لتؤتي الزَّارع زرعاً والآكل طعاماً، كذلك تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إليَّ فارغة بل تتمُّ ما شئتُ وتنجح فيما أرسلتها له “. والله يجعل من كلِّ شيء يفهمه الإنسان مصدراً للنعمة والإمتلاء، ومن أجل ذلك نعيد ونكرِّر بأنَّ الوحي الإلهي يعبَّر عنه بالأقوال والأعمال.
3- الوحي في تاريخ شعب إسرائيل (شعب الله):
الكتاب المقدَّس عبارة عن تاريخ الشعب مع الله، الله هو الذي بادر وتكلَّم مع البشرية بدءاً من ابراهيم الذي معه يبتدئ تاريخ الخلاص مروراً باسحق ويعقوب… وأصبح هناك تقليد شفهي، فتناقلت الرسالة الإلهية عبر الأجيال من خلال هذا التقليد. كانت الأفكار من أجل التدوين في أيام موسى، وموسى أخذ يعلِّمهم كلّ شيء منذ بداية الخلق وحتى الوصول لأيامه، كما كان يعلِّمهم تاريخ الآباء والشعب بشكل وثائق. كانت الكلمة تتناقل شفهياً وكان الشعب يتمتَّع بذاكرة قوية، فالتقليد الشفهي كان يتناقل بشكل دقيق وصحيح 1000ق.م . ففي بادئ الأمر بدؤوا بتجميع الوثائق إلى أن تكوَّن عندهم ما يسمَّى بالتقليد المكتوب، والذي ظهر بشكلٍ واضح في عهد الملوك (داوود، سليمان، صموئيل). عندما ابتدأ الشعب بالكتابة انتقل ذلك التقليد من تقليدٍ شفهي إلى تقليد كتابي؛ والمعاصرين لدى دراستهم لتلك الوثائق توضَّح لهم أنَّه كان هناك عدَّة تيارات (التيارات هي الطريقة التي عبَّر فيها الشعب عن الرسالة الإلهية):
1- التقليد اليهودي(ي): الكاتب الملهم أو الراوي عندما كان يريد التحدُّث عن الله كان يلقِّبه بيهوه ولذلك دعي هذا التقليد بالتقليد اليهوي، ويرمز له (J). نشأ هذا التقليد في جنوب فلسطين (مملكة يهوذا، يهوذا تعني ها هو الله)، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد تقريباً على أيام الملوك، كان أسلوبه شعبياً وبسيطاً ومصوَّراً، مثال: قصة الخلق في سفر التكوين (الرواية الثانية)، هذه الرواية كتبها أتباع التقليد اليهوي (تك2/4-25): “يوم صنع الربُّ الإله الأرض والسَّماوات، لم يكن في الأرض شيح الحقول، ولم يكن عشب الحقول قد نبت…”.
2- التقليد الأيلوهي(أ): يشار إليه بحرف (E)، الكاتب الملهم أو الراوي عندما يورد كلمة إلوهيم فإنَّه يقصد بها الإله، وهذه الكلمة مركبة من (إلوه-يم)، وقد استعمل الشعب هذه الكلمة بالجمع (الآلهة) من أجل التعظيم والتمجيد. نشأ هذا التيار في مملكة الشمال التي عاصمتها السامرة، والذي كان هدفه توحيد الآلهة وذلك بسبب قربهم من الشعوب الوثنية.
3- تثنية الإشتراع(ت): يشار إليه بالرمز (DT)، نشأ هذا التيار في كلِّ الأماكن، ولكن لأنَّه لثاني مرَّة أعادوا صياغة النصوص والشرائع والقوانين سمِّي تثنية الإشتراع. مميزاته أنَّه تقليدي متشدِّد (يشدِّد على اختيار الله لشعبه)، كبداية انطلق من مملكة الشمال وامتدَّ إلى مملكة الجنوب.
4- التقليد الكهنوتي(ك): يشار إليه بالحرف (P)، يشدِّد على الشريعة الإلهية وعلى المراسيم وعلى الطقوس والإحتفالات بالهيكل، أسلوبه مليءٌ بالإحترام والرهبة لله. نشأ هذا التيار بشكلٍ رسمي أيام الجلاء إلى بابل؛ لأنَّه في أيام الجلاء، نسي اليهود عباداتهم وطقوسهم، وذلك بسبب إقامتهم في بلادٍ وثنية، فكان الكهنة يذكِّرونهم بتلك الطقوس والعبادات، وعندما عادوا إلى أرضهم تثبَّت هذا التيار وأخذ شكلاً منظَّماً وخاصةً في يهوذا حول الهيكل.
4- الكتاب المقدَّس كلمة إلهية في كلمة بشرية من خلال الروح القدس:
الكتاب المقدَّس هو كلمة إلهية ومبادرة إلهية، الكلمة الإلهية كلمة شفهية متناقلة بشكلٍ بسيط وبدقَّة بأساليب سهلة حتى أنَّ الأطفال كان باستطاعتهم فهمها. وكان يقصد بالكلمة الإلهية في بادئ الأمر الأسفار الخمسة التشريعية، فالله أعطى الشرائع والقوانين كما أعطى الخلاص من مصر إلى كنعان، (التوراة وهي عبارة عن الشريعة أو التعليم، وقد كانت التوراة أهم أجزاء الكتاب المقدَّس في العهد القديم أما في العهد الجديد فحلَّ مكانها الإنجيل المقدَّس).
من الصعب تحديد فترة كتابة الكتاب المقدَّس المكتوب، ولكن نستطيع القول بأنهم بدؤوا بجمع الوثائق المكتوبة بين بداية المملكة وزمن الجلاء، أي بين فترة 1000-600 ق.م . كما أنَّ هناك عوامل كثيرة ساعدت على تدوين الكتاب المقدَّس:
1- عمل الأنبياء بقيادة الروح الإلهية:
عندنا تقريباً 214-242 مرَّة يتكرَّر فيها تعبير كلمة الله أو كلمة الرب، أي أنَّ الله هو الذي يبادر. ولقد كان الأنبياء الأشخاص الملهمين والمختارين للكتابة ولهم عدَّة مواهب، والكتاب المقدَّس مليء بالأمثلة فموسى تكلَّم مع الرب (يشوع بن سيراخ45/1-3): “وأقام منه رجل رحمة قد نال حظوةً في عيني كلِّ بشر موسى الذي أحبَّه الله والناس وكان ذكره مباركاً. فآتاه مجداً كمجد القديسين وجعله عظيماً يرهبه الأعداء. بكلامه أوقف الآيات ومجَّده أمام الملوك. أعطاه وصايا من أجل شعبه وأراه شيئاً من مجده”. في هذه الآيات نلاحظ أنَّ موسى هو أول شخص ألهمه الله للكتابة، أما ما سبقه من الأنبياء فقد ألهمهم كلمته. (عد12/6-8): “فقال: اسمعا كلامي إن يكن فيكم نبيٌّ فبالرؤيا أتعرَّف إليه، أنا الرب وفي حلمٍ أخاطبه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو على كلِّ بيتي مؤتمن، فماً إلى فمٍ أخاطبه وعياناً لا بألغاز وصورة الربِّ يعاين فلماذا لم تهابا أن تتكلَّما مع عبدي موسى؟”. يتكلَّم هذا النص عن الأبرار الذين يلهمهم الله للكتابة، أي أنَّ هناك دعوة من الله للكتابة (الإلهام) وكلُّ الأشخاص الملهمين يجب أن يكونوا مختارين ومدعوِّين من الله، ومهمتهم نشر كلمة الله، وكلمتهم مسموعة من الشعب، لأنها كلمة الله. (أش6/6-7): “فطار إليَّ أحد السرفين، وبيده جمرةٌ أخذها بملقطٍ من المذبح ومسَّ بها فمي وقال: ها إنَّ هذه قد مسَّت شفتيك، فأزيل إثمك وكفِّرت خطيئتك. وسمعت صوت السيِّد قائلاً: من أرسل؟ ومن ينطلق؟ فقلت: هاءنذا فأرسلني”. (إر1/19): “فيحاربونك ولا يقوون عليك لأنِّي معك، يقول الرب لأنقذك”. (حز2/8): “وأنت يا ابن الإنسان، فاسمع ما أكلِّمك به، لا تكن متمرِّداً كبيت التمرُّد. إفتح فمك وكل ما أناولك”. (حز3/3): “وقال لي: يا ابن الإنسان، أطعم جوفك واملأ أحشاءك من هذا السِّفر الذي أنا مناولك. فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة”.
في نشر كلمة الله يجب التعبير والقول بأنَّ القوة التي تدفعهم لهذا التعبير هي قوة إلهية وليست قوة بشرية (في العهد الجديد القوة هي الروح القدس)، ولهذه الكلمة سلطان علوي، كما أنَّ روح الربِّ هو الذي يقود الأنبياء (تك1/2): “وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرفُّ على وجه المياه”. (تك2/7): “وجبل الربُّ الإله الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيَّة”. داوود النبي يقول في (2صمو23/2): “روح الربِّ تكلَّم بي وكلمته على لساني”، (وبهذا يكون قد جمع بين الله والإنسان والروح القدس). هوشع يصف نفسه برجل الروح (هو9/7): “قد أتت أيام العقاب أتت أيام الثواب، ليعلم إسرائيل أنَّ النبيَّ غبيٌّ ورجل الروح مجنون بحسب جسامة ذنبك تشتدُّ العداوة”. (حز2/2): “فأتمَّ الرب كلامه الذي تكلَّم به علينا وعلى قضاتنا الذين حكموا إسرائيل، وعلى ملوكنا ورؤسائنا وعلى بني إسرائيل ويهوذا. ولم يحدث تحت السَّماء بأسرها مثل ما أحدثه في أورشليم، على حسب ما كتب في شريعة موسى”. (حز3/12،14): “لقد تركت ينبوع الحكمة، تعلَّم أين الفطنة وأين القوة وأين الذكاء لكي تعلم أيضاً أين طول الأيام والحياة وأين نور العيون والسَّلام”. كما أنَّهم يخبرونا عن الأبرار والمختارين من الله، ويدعوهم الله خدَّام الكلمة (سيراخ39/6): “فإن شاء الربُّ العظيم يمتلئ من روح الفهم فيمطر هو بأقوال حكمته وفي الصلاة يحمد الرَّب”. (سيراخ39/1-2،5،7-8). الله يتكلَّم ويتحدَّث بشكل واضح بيسوع المسيح الكلمة، لذلك فكلمة الله المتجسِّد (يسوع المسيح) هو أعظم نبي، النبي هو خادم كلمة الله وخادم شعب الله كما أنَّه المتشفِّع لدى الله بالنسبة لشعب الله، والموصل كلمته لشعبه. (في العماد نحن نأخذ الصفات التالية التي كانت ليسوع: الملوكية، النبوية، الكهنوتية، يسوع الذي هو صورة الله يوصل ذاته بذاته وليس من خلال الأنبياء والكهنة). النبي يعني الرائي في العهد القديم كما قلنا سابقاً، إنَّه الذي رأى الله وعبَّر عنه، كما أنَّ هنالك عدَّة أوجهٍ أو عدَّة فئاتٍ للأنبياء مثلاً: أنبياء البلاط الملكي (ناتان). وتصبح كلمة الله (يسوع) نبي بحدِّ ذاتها، فيسوع هو كمال النبوءة. وكلمة الله تصبح إنساناً، فبدلاً من أن يرسل الله أنبياءً أرسل كلمته المحيية والتي تجسَّدت وأخذت طبيعتنا.
2- صون ونقل كلمة الله:
كان هناك أشخاص مؤتمنين على المحافظة على كلمة الله ونقلها، فكلمة الله لم تكن تقبل بشكل عشوائي، ولكنَّ الأجيال المؤمنة هي التي تناقلتها بشكل منظَّم، وكان هناك أشخاص مسؤولين عن نقلها وأهمهم: الشيوخ، الكهنة اللاويين، المغنِّيين، الحكماء، الكتبة المذكِّرين بالوصايا الإلهية.
1-الشيوخ: بمعنى القضاة (القضاء في الشعب، حكماء الشعب)، كانت كلمة حكماء تطلق على المغنِّيين والكتبة لأنَّهم كانوا جميعاً يوصلون كلمة الله، وكانت مهمتهم القضاء في الشعب وتطبيق الشرائع والفرائض الإلهية، ويعتبرون مشاركين مع موسى بروح الرب (خر18/19-26)، (عد11/16-17): “فقال الرب لموسى: اجمع لي سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنَّهم شيوخُ الشعب وكتبتهم، وخذهم إلى خيمة الموعد فيقفوا هناك معك. فأنزل أنا وأتكلَّم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأحلُّه عليهم، فيحملون معك عبء الشعب ولا تحمله أنت وحدك”.
2-الكهنة اللاويين: مهمتهم تعليم الشريعة والقيام بالوظائف الطقسيَّة، كانوا يعتبرون موهوبين من الله لتمثيله، بالإضافة إلى كونهم مختارين منه تعالى من أجل التكرُّس له (عد3/11-13): “وكلَّم الرب موسى قائلاً: إنِّي قد أخذت اللاويين من بني إسرائيل بدل كلِّ بكرٍ فاتح رحمٍ من بني إسرائيل، فيكون اللاويون لي . لأنَّ كلَّ بكرٍ هو لي، لأنَّه يوم ضربت كلَّ بكرٍ في أرض مصر، قدَّست لي كلَّ بكرٍ في إسرائيل من البشر والبهائم، إنَّهم لي: أنا الرب”. (عد3/41): “وخذ اللاويين لي -أنا الرب- بدل كلِّ بكرٍ من بني إسرائيل، وبهائم اللاويين بدل كلِّ بكرٍ من بهائم بني إسرائيل”. (عد8/16): “لأنَّهم موهوبين لي، موهوبون من بين بني إسرائيل، فقد أخذتهم لي بدل كلِّ فاتح رحم، كلِّ بكرٍ من بني إسرائيل”.
3-الكتبة (الرابي أو المعلِّم): (سيراخ14/20-27) ؛ (سيراخ15/1-6) ؛ كانوا معلِّمين للشريعة، ويعتبرون منقادين من الروح الإلهية.
4-المغنِّين: هم مؤلِّفوا المزامير، مهمتهم تأليف المزامير وترميمها بإلهام من الله، وكانوا يدعون أيضاً بأنبياء وحكماء، إلاَّ أنَّهم ليسوا أنبياء عبادة فكلمة الله كانت تصل مرتَّلة. لذلك فالترتيل هو علاقة الشعب مع الله بشكلٍ مرنَّم، “فالذي يرتِّل يصلِّي مرَّتين” (أوغسطينس)، لأنَّه من خلال الكلمة المرتلة يآخذ المصلِّي الوقت الأكثر في اللقاء مع الله.
3- الأشخاص المذكِّرين بالوصايا الإلهية:
كل الأشخاص المختارين من الله، هم ليذكِّروا بأحكامه وليحافظوا على كلمته. ويتناقلونها ويضعونها في إطار ملائم حتى يستطيعوا تعليمها بإطارٍ قصصي، روائي، تعليمي، شعري، أناشيد، مزامير، ويشرحونها ويضعونها في تصميم محدَّد (يشوع24)، (عدد27/15-23)، (سيراخ46/1…).
4- المبادرة الإلهية:
إنَّ الكتاب المقدَّس منذ بدايته كان يشكِّل إرشادات تحتوي على كلمة الله المرتبطة بحدثٍ معيَّن، وشعبٍ معيَّن، ومكانٍ معيَّن، وزمانٍ معيَّن. ولأجل ذلك نرى بعض الإختلافات في طريقة التعليم البشري، ولكن كلمة الله هي واحدة، وقد كان من واجب النبي أو المرسل أن يوصل هذه الكلمة ويفسِّرها بإلهامٍ من الله.
والكتاب المقدَّس يذكِّرنا ببعض الأساليب التي كانت تتثبت فيها كلمة الله، فالله بشكلٍ واضح يأمر النبي أن يكتب.
(خر17/14): “فقال الرب لموسى: أكتب هذا ذكراً في كتاب وضع في أذني يشوع، أني سأمحو ذكر عماليق محواً من تحت السَّماء”.
(خر34/27-28): “وقال الرب لموسى: أكتب لك هذا الكلام، لأني بحسبه قطعت عهداً معك ومع إسرائيل…، فكتب على اللوحين كلام العهد، الكلمات العشر”.
(تث17/18): “ومتى جلس على عرش ملكه فلينسخ له نسخةً من هذه الشريعة في سفرٍ من عند الكهنة اللاويين”.
(إرميا36/1-2): “كان هذا الكلام من إرميا من لدن الرب قائلاً: خذ لك سفراً واكتب فيه الكلام الذي كلَّمتك به على إسرائيل وعلى يهوذا وعلى جميع الأمم من يوم كلَّمتك من أيام يوشيا إلى هذا اليوم”.
(أشعيا30/8): “فهلمَّ الآن واكتب ذلك على لوحٍ أمامهم، وارسمه في سفرٍ ليكون لليوم الأخير دائماً وللأبد”.
والكتاب المقدَّس يقول لنا أنَّه لا توجد صيغ كثيرة للتعبير عن الكتابة، عندما يتكلَّم الرب “يقول الرب”، “كلمة الرب”. وقد كان سفر الشريعة يقرأ أمام الشعب، بجوٍّ من الوقار والرهبة وبصوتٍ عالٍ ومعلنٍ في الساحات، وبالإحتفالات الليتورجية والدينية (خر34)، (تث7)، (نحميا8).
كما أنَّ الكتاب المقدَّس كان السلطة العليا المطلقة، وأصبح له تقريباً هيكلية منظَّمة في القرن الأول قبل المسيح، حيث تحدَّدت الأسفار التي يؤمن بها الشعب اليهودي: (الأسفار التشريعية…الخلق… الدخول إلى أرض كنعان…التعليم النبوي…المزامير…الكتاب).
5- الإلهام والوحي في العهد القديم وفي العهد الجديد: و.ل 4،17:
مختصر 4،17: يسوع هو قمة الظهور الإلهي وهو الذي أتمم كل ما جاء قبله، كما أنَّه يذكِّرنا بالكتب المقدَّسة. ولكن بدءاً من يسوع ينتهي أي انتظار للوحي الإلهي، ويكون انتظارنا هو لفهم الوحي الذي ظهر بيسوع.
1- العهد القديم في العهد الجديد:
كل مضمون العهد القديم موجود في العهد الجديد، والكنيسة توضِّح لنا الأمور والأسباب الرئيسية لفهم العهد القديم، كما تذكِّرنا بقول يسوع المسيح: “جئت لأكمِّل لا لأنقض”، فيسوع رجع إلى العهد القديم وأكمله وأكَّد على أهميته. إذاً يسوع أكمل العهد القديم ولكنه عمل معه كسراً “السبت للإنسان لا الإنسان للسبت”، كما أنَّه حافظ على شريعة تقديم النهار للرب، وبعد ذلك صحَّح التعليم الخاطئ لهذا المفهوم، وبعد ذلك أكَّد العهد القديم، وأخيراً قام بإكمال العهد القديم؛ ولذلك، نلاحظ الكنيسة في مسيرة دائمة. والإنجيليون والرسل الذين كتبوا أكَّدوا لنا هذه النقطة “كما يقول الكتاب”، “لتتمَّ الآية”، وفي العهد الجديد لدينا 150 مرَّة واستشهاد مباشر من العهد القديم؛ وهناك أيضاً استشهادات غير مباشرة، وإشارات تخبرنا عن حوادث جرت في العهد القديم.
(مز109 أو 110)، (مر12/36)، (متى1/22)، (متى2/15)، (مر1/2)، (لو3/4)، (متى3/3)، (أعمال1/16)، (رو1/1…)، (عبر10/15). هذه الآيات والإستشهادات ترينا أنَّ كلمة الله معبَّرٌ عنها بلسانٍ بشري بعمل الروح القدس.
(1تيم3/16): “ولا خلاف أنَّ سرَّ التقوى عظيم: قد أُظهر بشراً وبُرَّ في الروح وتراءى للملائكة وبُشِّر به عند الوثنيين وأُومن به في العالم ورُفِعَ في المجد”، ترينا هذه الآية أنَّ كل الكتاب المقدَّس هو بفعل الروح القدس.
(2تيم3/14-15): “وأحضر كذلك الكتب وخصوصاً صحف الرِّق. لأنَّ الإسكندر النحَّاس قد أساء إليَّ كثيراً، وسيَجْزيه الربُّ على ما قدَّمت يده، فاحترس أنت أيضاً منه”. ترينا هذه الآية أنَّ الكتاب المقدَّس كتب بحكمة من الله، ويُفسَّر بحكمة من الله.
(2بطرس1/20-21): “واعلموا قبل كلِّ شيء أنَّه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيراً يأتي به أحدٌ من عنده، إذ لم تأتِ نبوءةٌ قطُّ بإرادة بشر، ولكنَّ الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلَّموا من قِبَلِ الله”. ترينا هاتين الآيتين وجود مفسِّر وكاتب وملهم من الروح القدس.
فهذه الإستشهادات بأجمعها ترينا أهمية العهد القديم، وأنَّ كل شيء تمَّ كان بفعل الروح القدس.
2- القيمة الثابتة للعهد القديم:
(2تيم3/16): “فكلُّ ما كتب هو من وحي الله، يفيد في التعليم والتنفيذ والتقويم والتأديب في البر”.
(لو7/17-21): “وانتشر هذا الكلام في شأنه في اليهودية كلِّها، وفي جميع النواحي المجاورة…”.
(يو5/39): “تتصفَّحون الكتب، وتظنُّون أنَّ لكم فيها الحياة الأبدية فهي التي تشهد لي”.
(لو24/25-27)، (لو24/44-47).
كل الكتاب المقدَّس هو بإلهام مقدَّس ومن وحي الله، وكان هم الكاتب أن يوصل كلمة الله ورسالته إلى الشعب دون أية نوايا أخرى، ولذلك نلاحظ أنَّ أسلوب الكاتب كان بسيطاً وشعبياً.
3- كتابة العهد الجديد:
Discussion about this post