تأليه الإنسان وتفسير عبارة القديس بطرس الرسول:
“شركاء الطبيعة الإلهية”
قال السيد المسيح: “أنا هو القيامة والحياة” (يو11: 25)، فما معنى هذه الكلمات الإلهية؟
إن الحياة الأبدية هي في المسيح؛ الخلاص من الخطية الأصلية، وصلب الإنسان العتيق هو في المعمودية التي نتحد فيها مع المسيح بشبه موته، لكي نصير أيضاً بقيامته (انظر رو6)
مغفرة الخطايا الفعلية هو بدم المسيح في سر المعمودية ومن بعدها في سري التوبة والتناول (الافخارستيا)
يقول الأب الكاهن في القداس الإلهي في الاعتراف الأخير عن جسد الرب ودمه {يعطى عنا خلاصاً، وغفراناً للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه}
التناول من جسد الرب ودمه هو عربون للحياة الأبدية، نستعد له بالتوبة والاعتراف لأن القدسات للقديسين، والقداسة “بدونها لن يرى أحد الرب“ كقول الكتاب في (عب12: 14)
في القداس الإلهي نقيم تذكار موت السيد المسيح وقيامته وصعوده، وكذلك نتذكر مجيئه الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجداً
إن الاشتراك مع الله في الحياة الأبدية هو العطية الثمينة والعظمى التي طلب السيد المسيح من أجلها قبل صلبه حينما خاطب الله الآب قائلاً بشأن تلاميذه : “أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم” (يو17: 24)
إن اشتراكنا مع الله في الخلود وفى الحياة الأبدية هو العطية التي ننالها في المسيح وبالمسيح، بقوة دم صليبه المحيي الذي نقلنا من الموت إلى الحياة “لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16)
وقد شرح معلمنا بطرس الرسول إن اشتراكنا فى الحياة الأبدية يستلزم أن نهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة مقدرين قيمة الخلاص الثمين، ومتمسكين بالمواعيد الإلهية فقال “سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله، إلى الذين نالوا معنا إيماناً مساوياً لنا، ببر إلهنا والمخلّص يسوع المسيح؛ لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا. كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، الذين بهما قد وهب لنا المواعيد العُظمى، والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة” (2بط1: 1-4)
إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، والسلوك في حياة المجد والفضائل الروحية
وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى في رسالته الأولى بقوله “فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح كأولاد الطاعة. لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة، لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس” (1بط1: 13-16)
الخروج على النص الكتابي
هذه العبارة وردت في النص اليوناني الذي كتبت به رسالة بطرس الثانية أصلاً “ثياس كينونى فيسيوس” وفي الترجمة الإنجليزية: partakers of the divine nature (N.K.J) وفى الترجمة العربية “شركاء الطبيعة الإلهية”. ولم يرد إطلاقاً في أي لغة سواء اللغة الأصلية أو الترجمة حرف “فى” وهو (إن) باليوناني و in بالإنجليزي
ولكن للأسف فإن البعض مثل الدكتور جورج حبيب بباوى ورهبان دير أبي مقار يحرّفون هذه الآية عند تعرّضهم لها، ويقولون “شركاء في الطبيعة الإلهية”.. هذا لم يقله الرسول بطرس لأنه لا يمكن إطلاقاً أن يشترك أي مخلوق في طبيعة الله، أو في كينونته، أو في جوهره.
ومن يدّعى ذلك يكون قد دخل في خطأ لاهوتي خطير ضد الإيمان بالله، وبسمو جوهره وطبيعته فوق كل الخليقة. كما أن هذا الإدعاء هو لون من الكبرياء سقط فيه الشيطان من قبل حينما قال “أصير مثل العلي”.. الرب يحمينا من هذا الكبرياء المهلك
أما قول معلمنا بطرس الرسول “لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية“ فهو بمنتهى البساطة يقصد أن نشترك مع الله في ملكوته الأبدي من خلال اشتراكنا في قداسته حسب الوصية “كونوا قديسين لأني أنا قدوس“ وحتى الاشتراك في قداسة الله هو مسألة نسبية، ليست مطلقة. فكمال الخليقة هو كمال نسبي، أما كمال الله فهو كمال مطلق. وقداسة الله قداسة طبيعية غير مكتسبة، أما قداسة القديسين فهي قداسة مكتسبة
وقد كتب القديس باسيليوس الكبير ما يلي :
“نحن نقول أننا نعرف عظمة الله، وسلطانه، وحكمته، وصلاحه، وعنايته بنا، وعدالة حكمه، لكن ليس جوهره ذاته… إن الطاقات تتنوع أما الجوهر فبسيط، لكننا نقول أننا نعرف الله من طاقاته، على أننا لا نشرع في الاقتراب من جوهره… إن طاقاته تأتي إلينا من فوق أما جوهره فيظل بعيداً عن منالنا.. إذن معرفة الجوهر الإهى تتضمن إدراك أنه لا يسبر غوره، وموضوع عبادتنا ليس هو أن نفهم الجوهر لكن أن نفهم أن هذا الجوهر كائن (موجود).” (الرسالة إلى أمفيلوخيوس الفقرة 1 و2 مجموعة آباء ما بعد نيقية المجلد الثامن)
إن الرسول بطرس يتكلم عن الاشتراك في الحياة الأبدية مثل ميراث القديسين فى الحياة الأبدية. فقال “بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة” (2بط1: 1-4)
إننا نشترك مع الله فى العمل مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه وعن أبلوس “نحن عاملان مع الله” (1كو3: 9) نشترك مع الله في الحياة الروحية مثل البركة الرسولية التي يُقال فيها {شركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم}
“شركاء الطبيعة الإلهية” في العمل، في الإدارة، في الخلود، في القداسة، في الملكوت، في السعادة الأبدية، في الحب الذي قال عنه السيد المسيح للآب “أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك. وهؤلاء قد عرفوا أنك أنت أرسلتني . وقد عرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم” (يو17: 26)
إن السيد المسيح يقول للآب إن الحب الذي بينهما؛ من الممكن أن يكون فى التلاميذ. والمقصود نوع الحب وليس مقداره. لأن الآب غير محدود والابن غير محدود، فالحب الذى بينهما غير محدود. أما نحن فمحدودين، وننال من الحب الإلهي على قدر استطاعتنا. وبهذا توجد شركة المحبة بيننا وبين الله. ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.. ولكن ليس شركاء في الطبيعة الإلهية كما يتجاسر البعض ويقولون
من أقوال الآباء الأخرى التي تنفي تأليه الإنسان
كعربون لأقوال الآباء التي تدل على أننا لا نتأله بالمعنى الحرفي للكلمة نقدم الفقرة رقم (12) من الرسالة رقم (50) للقديس كيرلس الكبير وقد أرسلها إلى فالريان أسقف أيقونية
وهو في هذه الفقرة إلى جانب أنه يشرح فكرة موت السيد المسيح الذي كان مساوياً لموت الجميع أي جميع من إفتداهم. ولكنه من جانب آخر قد أوضح أن تجسد الكلمة وصيرورته إنساناً لم ينتج عنها إلغاء الفارق بين الكلمة المتجسد والبشر المؤمنين به حتى القديسين منهم. فهو يقول عن موت السيد المسيح أنه “ليس موت إنسان مثلنا” وذلك لأنه “هو وحده”..” إله بالطبيعة” وذلك حتى بالرغم من أنه صار مثلنا من حيث أنه قد تأنس
فمن يستطيع أن يدّعى الألوهة في ضوء كلام مثل كلام القديس كيرلس هذا الذي نورده بنصه باللغتين العربية والإنجليزية لئلا يعترض أحد على الترجمة ولا مانع لدينا من وضع النص باللغة اليونانية أيضاً؛ لأنهم يتماحكون بالكلام ناسين أن الخطية التي أسقطت آدم وحواء هو أنهما أرادا أن يصيرا مثل الله في المعرفة. والتي أسقطت إبليس نفسه هو أنه أراد أن يصير مثل العلىي قائلاً “أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (اش 14: 13-14). نحن قد خلقنا على صورة الله ومثاله بمعنى محدود يفهمه المتواضعون فقط
” لذلك، سيقودهم مظهر التقوى (الذى يتظاهرون به) بعيداً عن الحق، لأنهم لم يفهموا أن عدم القابلية للألم Impassiblity قد حُفظت لأن له وجوده الإلهي ولأنه إله، لكن التألم من أجلنا بحسب الجسد يُنسب أيضاً إليه لأنه – إذ هو إله بالطبيعة – صار جسداً، أي صار إنساناً كاملاً
لأنه من هو ذاك الذي قال لله الآب الذي في السموات: “ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لى جسداً (بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسر) ثم قلت هأنذا … أجئ لأفعل مشيئتك يا الله” (قارن عب 10 : 5 -7 + مز 40 : 7-9 ) لأن ذاك الذي كان بدون جسد كإله، يقول إن الجسد هُيئ له كي يستطيع – عندما يبذله لأجلنا – أن يشفينا جميعاً ” بحبره (بجلداته) ” (أش 53 : 5) بحسب قول النبي ، لكن كيف يكون “واحد قد مات لأجل الجميع” (2كو 5: 14 ) ، واحد مساو للجميع كلهم، إذا اعتبرنا ببساطة أن الألم خاص بإنسان ما؟
وإذ تألم بحسب طبيعته الناسوتية، لإنه جعل آلام جسده آلامه هو، لذا نقول، وبصواب تام، أن موته هو وحده، بحسب الجسد، يُعد مُساوياً لحياة الجميع، فهو ليس موت إنسان مثلنا، حتى بالرغم من أنه صار مثلنا، بل نقول أنه – لكونه إله بالطبيعة – تجسد وتأنس بحسب إعتراف الآباء.”
ويقول القديس أثناسيوس الرسولى في المقال الأول ضد الأريوسيين ما يلي :
النص العربي :
39- “فلو أنه حينما صار إنساناً حينئذ فقط دعى ابن وإله، ولكن قبل أن يصير هو إنساناً دعى الله الناس القدماء أبناء وجعل موسى إلهاً لفرعون (والأسفار تقول عن كثيرين “الله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة” (مز 82: 1)، فمن الواضح أنه دعى إبن وإله بعدهم. فكيف يكون كل شئ من خلاله وهو قبل الكل؟ أو كيف يكون هو “بكر كل خليقة” (كو 1: 15)، إن كان هناك آخرون قبله يدعون أبناء وإلهه. وكيف أن هؤلاء الشركاء الأولين لا يشاركون “الكلمة”؟
هذا الرأى غير صحيح؛ وهو حيلة للمهودين الحاليين. لأنه كيف يقدر أحد فى هذه الحالة أن يعرف الله كآب له؟ لأنه لا يمكن أن يكون هناك تبنى بدون الابن الحقيقي، الذي قال “لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له“.
وكيف يكون هناك تأله بدون الكلمة وقبله؟ ولكن، هو قال لإخوتهم اليهود “قال آلهة لأولئك الذي صارت إليهم كلمة الله” (يو 10: 35). وإن كان كل ما دعوا أبناء وآلهة إما في السماء أو على الأرض، تم لهم التبني والتأله من خلال الكلمة، والابن نفسه هو الكلمة، فمن الواضح أنه من خلاله هم جميعهم، وهو نفسه قبل الكل،
أو بالأحرى هو نفسه وحده الابن الحقيقي ، وهو الوحيد إله حق من الإله الحق، ولم ينل هذه كمكافأة على بره ولا لكونه آخر معها، ولكن بسبب أنه كل هذه بالطبيعة ووفقاً للجوهر.”
فالقديس أثناسيوس هنا يؤكد أن الابن هو الوحيد الذي يدعى ابن حقيقي وهو وحده إله حق من الإله الحق بالطبيعة وبحسب الجوهر، أما الخلائق فحتى وإن دعوا بنين أو آلهة فإن هذا التبني هو فقط من خلال الكلمة، فبنوة الخلائق ليست بنوة بالطبيعة ولا بحسب الجوهر
وقد ميز القديس أثناسيوس تميزاً واضحاً بين وضع المسيح الفريد وبين باقي البشر والملائكة كأولاد لله. وهذا تماماً مثلما ميز القديس يوحنا الإنجيلي السيد المسيح فقال أنه هو الابن الوحيد الجنس (أو مونوجينيس أيوس) أو الإله الوحيد الجنس (أو مونوجينيس ثيؤس) (انظر يو 1: 18)
ولا يخفى على القارئ حكمة الوحي الكتابي في تعبير “الوحيد” إشارة إلى طبيعة المسيح بإعتباره من الجنس الإلهي وفىيالإشارة إلى بنوته الوحيدة والفريدة بحيث يكون الحديث عن الشركة في طبيعته الإلهية هو لون من التجديف على الله
فليرحمنا الرب لكي نشعر بضعفاتنا وخطايانا فلا نسقط في الكبرياء آمين .
No Result
View All Result
Discussion about this post